سورة القصص - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (32) قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (35)}
قوله تعالى: {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} الآية، تقدم القول فيه. {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} {مِنْ} متعلقة ب {وَلَّى} أي ولى مدبرا من الرهب. وقرأ حفص والسلمى وعيسى بن عمرو وابن أبي إسحاق {مِنَ الرَّهْبِ} بفتح الراء وإسكان الهاء. وقرأ ابن عامر والكوفيون إلا حفص بضم الراء وجزم الهاء. الباقون بفتح الراء والهاء. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، لقوله تعالى: {وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً} وكلها لغات وهو بمعنى الخوف. والمعنى إذا هالك أمر يدك وشعاعها فأدخلها في جيبك وأرددها إليه تعد كما كانت.
وقيل: أمره الله أن يضم يده إلى صدره فيذهب عنه خوف الحية. عن مجاهد وغيره ورواه الضحاك عن ابن عباس، قال فقال ابن عباس: ليس من أحد يدخله رعب بعد موسى عليه السلام، ثم يدخل يده فيضعها على صدره إلا ذهب عنه الرعب. ويحكي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أن كاتبا كان يكتب بين يديه، فانفلتت منه فلتة ريح فخجل وانكسر، فقام وضرب بقلمه الأرض فقال له عمر: خذ قلمك واضمم إليك جناحك، وليفرخ روعك فإني ما سمعتها من أحد أكثر مما سمعتها من نفسي.
وقيل: المعنى اضمم يدك إلى صدرك ليذهب الله ما في صدرك من الخوف. وكان موسى يرتعد خوفا إما من آل فرعون وإما من الثعبان. وضم الجناح هو السكون، كقوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} يريد الرفق وكذلك قوله: {وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي أرفق بهم.
وقال الفراء: أراد بالجناح عصاه.
وقال بعض أهل المعاني: الرهب الكم بلغة حمير وبني حنيفة قال مقاتل: سألتني أعرابية شيئا وأنا آكل فملأت الكف وأومأت إليها فقالت: ها هنا في رهبي. تريد في كمي.
وقال الأصمعي: سمعت أعرابيا يقول لآخر أعطني رهبك. فسألته عن الرهب فقال: الكم، فعلى هذا يكون معناه اضمم إليك يدك وأخرجها من الكم، لأنه تناول العصا ويده في كمه وقوله: {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} يدل على أنها اليد اليمني، لان الجيب على اليسار. ذكره القشيري قلت: وما فسروه من ضم اليد إلى الصدر يدل على أن الجيب موضعه الصدر. وقد مضى في سورة النور بيانه. الزمخشري: ومن بدع التفاسير أن الرهب الكم بلغة حمير وأنهم يقولون أعطني مما في رهبك، وليت شعري كيف صحته في اللغة! وهل سمع من الإثبات الثقات الذين ترتضي عربيتهم، ثم ليت شعري كيف موقعه في الآية، وكيف تطبيقه المفصل كسائر كلمات التنزيل، على أن موسى صلوات عليه ما كان عليه ليلة المناجاة إلا زرمانقة من صوف لا كمين لها. قال القشيري: وقوله: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ} يريد اليدين إن قلنا أراد الأمن من فزع الثعبان.
وقيل: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ} أي شمر واستعد لتحمل أعباء الرسالة. قلت: فعلى هذا قيل: {إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ} أي من المرسلين، لقوله تعالى: {إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} قال ابن بحر: فصار على هذا التأويل رسولا بهذا القول. وقيل إنما صار رسولا بقول: {فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ} والبرهان اليد والعصا وقرأ ابن كثير بتشديد النون وخففها الباقون.
وروى أبو عمارة عن أبي الفضل عن أبي بكر عن ابن كثير، {فذانيك} بالتشديد والياء. وعن أبي عمرو أيضا قال لغة هذيل {فذانيك} بالتخفيف والياء. ولغة قريش {فَذانِكَ} كما قرأ أبو عمرو وابن كثير.
وفي تعليله خمسة أقوال: قيل شدد النون عوضا من الالف الساقطة في ذانك الذي هو تثنية ذا المرفوع، وهو رفع بالابتداء، وألف ذا محذوفة لدخول ألف التثنية عليها، ولم يلتفت إلى التقاء الساكنين، لان أصله فذاانك فحذف الالف الأولى عوضا من النون الشديدة.
وقيل: التشديد للتأكيد كما أدخلوا اللام في ذلك. مكي: وقيل إن من شدد إنما بناه على لغة من قال في الواحد ذلك، فلما بنى أثبت اللام بعد نون التثنية، ثم أدغم اللام في النون على حكم إدغام الثاني في الأول، والأصل أن يدغم الأول أبدا في الثاني، إلا أن يمنع من ذلك علة فيدغم الثاني في الأول، والعلة التي منعت في هذا أن يدغم الأول في الثاني أنه لو فعل ذلك لصار في موضع النون التي تدل على التثنية لام مشددة فيتغير لفظ التثنية فأدغم الثاني في الأول لذلك، فصار نونا مشددة. وقد قيل: إنه لما تنأ في ذلك أثبت اللام قبل النون ثم أدغم الأول في الثاني على أصول الإدغام فصار نونا مشددة.
وقيل: شددت فرقا بينها وبين الظاهر التي تسقط لاضافة نونه، لان ذان لا يضاف.
وقيل: للفرق بين الاسم المتمكن وبينها. وكذلك العلة في تشديد النون في {اللذان} و{هذان}. قال أبو عمرو: إنما اختص أبو عمرو هذا الحرف بالتشديد دون كل تثنية من جنسه لقلة حروفه فقرأه بالتثقيل. ومن قرأ: {فذانيك} بياء مع تخفيف النون فالأصل عنده {فذانك} بالتشديد فأبدل من النون الثانية ياء كراهية التضعيف، كما قالوا: لا أملاه في لا أمله فابدلوا اللام الثانية ألفا. ومن قرأ بياء بعد النون الشديدة فوجهه أنه أشبع كسرة النون فتولدت عنها الياء. قوله تعالى: {فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً} يعني معينا مشتق من أردأته أي أعنته. والردء العون قال الشاعر:
ألم تر أن أصرم كان ردئي *** وخير الناس في قل ومال
النحاس: وقد أردأه ورداه أي أعانه، وترك همزه تخفيفا. وبه قرأ نافع: وهو بمعنى المهموز. قال المهدوي: ويجوز أن يكون ترك الهمز من قولهم أردى على المائة أي زاد عليها، وكان المعنى أرسله معي زيادة في تصديقي. قاله مسلم بن جندب. وأنشد قول الشاعر:
وأسمر خطيا كأن كعوبه *** نوى القسب قد أردى ذراعا على العشر
كذا أنشد الماوردي هذا البيت: قد أردى. وأنشده الغزنوي والجوهري في الصحاح قد أرمى، قال: والقسب الصلب، والقسب تمر يابس يتفتت في الفم صلب النواة. قال يصف رمحا: وأسمر. البيت. قال الجوهري: ردؤ الشيء يردؤ رداءة فهو ردئ أي فاسد، وأردأته أفسدته، وأردأته أيضا بمعنى أعنته، تقول: أردأته بنفسي أي كنت له ردءا وهو العون. قال الله تعالى: {فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي}. قال النحاس: وقد حكى ردأته: ردءا وجمع ردء أرداء. وقرأ عاصم وحمزة {يُصَدِّقُنِي} بالرفع. وجزم الباقون، وهو اختيار أبي حاتم على جواب الدعاء. واختار الرفع أبو عبيد على الحال من الهاء في {فَأَرْسِلْهُ} أي أرسله ردءا مصدقا حالة التصديق، كقوله: {أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ} أي كائنة، حال صرف إلى الاستقبال ويجوز أن يكون صفة لقوله: {رِدْءاً}. {إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} إذا لم يكن لي وزير ولا معين، لأنهم لا يكادون يفقهون عني، فقالَ الله عز وجل له {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} أي نقويك به، وهذا تمثيل، لان قوة اليد بالعضد. قال طرفة:
بني لبيني لستم بيد *** إلا يدا ليست لها عضد
ويقال في دعاء الخير: شد الله عضدك.
وفي ضده: فت الله في عضدك. {وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً} أي حجه وبرهانا. {فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما} بالأذى {بِآياتِنا} أي تمتنعان منهم {بِآياتِنا} فيجوز أن يوقف على {إِلَيْكُما} ويكون في الكلام تقديم وتأخير.
وقيل: التقدير {أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ} بآياتنا. قاله الأخفش والطبري قال المهدوي: وفي هذا تقديم الصلة على الموصول، إلا أن يقدر أنتما غالبان بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون. وعنى بالآيات سائر معجزاته.


{فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (36) وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)}
قوله تعالى: {فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ} أي ظاهرات واضحات {قالُوا ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً} مكذوب مختلق {وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ}.
وقيل: إن هذه الآيات وما احتج به موسى في إثبات التوحيد من الحجج العقلية.
وقيل: هي معجزاته. قوله تعالى: {وَقالَ مُوسى} قراءة العامة بالواو. وقرأ مجاهد وابن كثير وابن محيصن {قال} بلا واو، وكذلك هو في مصحف أهل مكة {رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى} أي بالرشاد. {مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ} قرأ الكوفيون إلا عاصما {يكون} بالياء والباقون بالتاء. وقد تقدم هذا. {عاقِبَةُ الدَّارِ} أي دار الجزاء. {إِنَّهُ} الهاء ضمير الامر والشأن {لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}. قوله تعالى: {وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي} قال ابن عباس: كان بينها وبين قوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى} أربعون سنة، وكذب عدو الله بل علم أن له ثم ربا هو خالقه وخالق قومه {ولين سألتهم من خلقهم ليقولن الله}. قال: {فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ} أي اطبخ لي الآجر، عن ابن عباس رضي الله عنه.
وقال قتادة: هو أول من صنع الآجر وبنى به. ولما أمر فرعون وزيره هامان ببناء الصرح جمع هامان العمال- قيل خمسين ألف بناء سوى الاتباع والاجراء- وأمر بطبخ الآجر والجص، ونشر الخشب وضرب المسامير، فبنوا ورفعوا البناء وشيدوه بحيث لم يبلغه بنيان منذ خلق الله السموات والأرض، فكان الباني لا يقدر أن يقوم على رأسه، حتى أراد الله أن يفتنهم فيه. فحكى السدي أن فرعون صعد السطح ورمى بنشابة نحو السماء، فرجعت متلطخة بدماء، فقال قد قتلت إله موسى. فروي أن جبريل عليه السلام بعثه الله تعالى عند مقالته، فضرب الصرح بجناحه فقطعه ثلاث قطع، قطعة على عسكر فرعون قتلت منهم ألف ألف، وقطعة في البحر، وقطعة في الغرب، وهلك كل من عمل فيه شيئا. والله أعلم بصحة ذلك. {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ} الظن هنا شك، فكفر على الشك، لأنه قد رأى من البراهين ما لا يخيل على ذي فطرة. قوله تعالى: {وَاسْتَكْبَرَ} أي تعظم {هُوَ وَجُنُودُهُ} أي عن الايمان بموسى. {فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} أي بالعدوان، أي لم تكن له حجة تدفع ما جاء به موسى {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ} أي توهموا أنه لا معاد ولا بعث. وقرأ نافع وابن محيصن وشيبة وحميد ويعقوب وحمزة والكسائي {لا يرجعون} بفتح الياء وكسر الجيم على أنه مسمى الفاعل. الباقون {يُرْجَعُونَ} على الفعل المجهول. وهو اختيار أبي عبيد، والأول اختيار أبي حاتم. {فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ} وكانوا ألفي ألف وستمائة ألف. {فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ} أي طرحناهم في البحر المالح. قال قتادة: بحر من وراء مصر يقال له إساف أغرقهم الله فيه.
وقال وهب والسدي: المكان الذي أغرقهم الله فيه بناحية القلزم يقال له بطن مريرة، وهو إلى اليوم غضبان.
وقال مقاتل: يعني نهر النيل. وهذا ضعيف والمشهور الأول. {فَانْظُرْ} يا محمد {كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} أي آخر أمرهم. {وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً} أي جعلناهم زعماء يتبعون على الكفر، فيكون عليهم وزرهم ووزر من اتبعهم حتى يكون عقابهم أكثر.
وقيل: جعل الله الملا من قومه رؤساء السفلة منهم، فهم يدعون إلى جهنم.
وقيل: أئمة يأتم بهم ذوو العبر ويتعظ بهم أهل البصائر. {يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} أي إلى عمل أهل النار {وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ}. {وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً} أي أمرنا العباد بلعنهم فمن ذكرهم لعنهم.
وقيل: أي ألزمناهم اللعن أي البعد عن الخير. {وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} أي من المهلكين الممقوتين. قاله ابن كيسان وأبو عبيدة.
وقال ابن عباس: المشوهين الخلقة بسواد الوجوه وزرقة العيون وقيل: من المبعدين. يقال: قبحه الله أي نحاه من كل خير، وقبحه وقبحه إذا جعله قبيحا.
وقال أبو عمرو قبحت وجهه بالتخفيف معناه قبحت. قال الشاعر:
ألا قبح الله البراجم كلها *** وقبح يربوعا وقبح دارما
وانتصب يوما على الحمل على موضع {في هذه الدنيا} واستغنى عن حرف العطف في قوله: {مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} كما استغنى عنه في قوله: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ}. ويجوز أن يكون العامل في {يَوْمَ} مضمرا يدل عليه قوله: {هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} فيكون كقوله: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ}. ويجوز أن يكون العامل في {يَوْمَ} قوله: {هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} وإن كان الظرف متقدما ويجوز أن يكون مفعولا على السعة، كأنه قال: وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ولعنة يوم القيامة.


{وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ} يعني التوراة، قاله قتادة. قال يحيى بن سلام: هو أول كتاب- يعني التوراة- نزلت فيه الفرائض والحدود والأحكام.
وقيل: الكتاب هنا ست من المثاني السبع التي أنزلها الله على رسوله محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قاله ابن عباس، ورواه مرفوعا. {مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى} قال أبو سعيد الخدري قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «ما أهلك الله قوما ولا قرنا ولا أمة ولا أهل قرية بعذاب من السماء ولا من الأرض منذ أنزل الله التوراة على موسى غير القرية التي مسخت قردة ألم تر إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى}» أي من بعد قوم نوح وعاد وثمود.
وقيل: أي من بعد ما أغرقنا فرعون وقومه وخسفنا بقارون. {بَصائِرَ لِلنَّاسِ} أي آتيناه الكتاب بصائر. أي ليتبصروا {وَهُدىً} أي من الضلالة لمن عمل بها {وَرَحْمَةً} لمن آمن بها {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} أي ليذكروا هذه النعمة فيقموا على إيمانهم في الدنيا، ويثقوا بثوابهم في الآخرة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8